بيئة
بيئة
الحماية
.
التعاليم النبوية للحفاظ على البيئة
ربط محمد (عليه الصلاة والسلام) بين الإيمان بالله والحفاظ على البيئة. فالله هو مالك الملك الذي خلق الكون كله، والأرض جزء من مُلك الله، وكل من يعيش عليها سوف يموت ويفنى، والله هو الباقي الذي يرث الأرض ومن عليها.
فالإنسان هو خليفة في الأرض ومستأمن عليها، فكيف له أن يفسد فيها؟
ويلحق الضرر بأي عنصر من عناصر بيئته التي خلقها الله (كالتربة والنبات والحيوان والهواء والماء) أو أي من مصادرها الطبيعية؟
وضع محمد (عليه الصلاة والسلام) قواعد عامة للحفاظ على البيئة (يأتي بيانها في هذا الفصل). ومن يتتبع التعاليم النبوية في هذا المجال يجد أنها شملت الأسس العلمية لحماية البيئة وهي:
1) عدم إضرار البيئة أو إفساد مواردها.2) وعدم الإسراف باستهلاك الموارد الطبيعية أو استنزافها.3) عدم تلويث البيئة والحث على المحافظة على نظافتها.4) حسن استخدام الموارد الطبيعية بما يرفع كفاءة استخدامها ويزيد من نتائجها المرجوة.5) المبادرة بإضافة القيمة الإيجابية للبيئة ويشمل ذلك إعمارها وزراعتها وتجميلها وتعميم خيرها ليس تفيد منها كل من يعيش فيها.
الطبيعة في توازن دائم
خلق الله عناصر الطبيعة وجعلها في توازن وتكامل دائمين وقدَر في الأرض أقواتها وأرزاقها وهو المتحكم بتحريك الرياح ونزول الأمطار وتوزيعها وما ينتج عنها من إنبات للمزروعات، ”صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ“ (الآية 88 من سورة النمل)
وجاء في القرآن الكريم قوله تعالى:
”إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ“ (الآية 49 سورة القمر)
”وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ“ (الأية 8 سورة الرعد)
الناس شركاء في الطبيعة
إن المصادر الطبيعية هبة من الله للبشر، ولا يجوز لأحد أن يحتكرها ما لم تكن جزءا من ملكية خاصة. وأكد محمد على ألا يمنع الناس بعضهم بعضا من الماء والكلأ (العشب) والنار.
وجاء في القرآن الكريم قوله تعالى:
”أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72)“
(الآيات 68 - 72 سورة الواقعة)
”أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ“
(الآية 60 سورة النمل)
لا ضرر ولا ضرار
وضع النبي (عليه الصلاة والسلام) قانونا عاما لعدم الإضرار بالغير سواء كان ذلك جمادا أو نباتا أو حيوانا، ووجوب إزالة الضرر سواء كان ذلك بقصد أو من غير قصد. ولأن الشريعة مبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد. فلا يجوز للمرء أن يضر بالآخرين، ولا يجوز أيضا أن يقع عليه الضرر منهم.قال النبي (عليه الصلاة والسلام): “لا ضرر ولا ضرار” وفي رواية أخرى “لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضره الله، ومن شاق شق الله عليه”.
( حديث صحيح على شرط مسلم ورواه مالك والحاكم والطبراني وغيرهم)
وقال النبي (عليه الصلاة والسلام): «الإيمان بضع وسبعون شُعبة، أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق »
( أخرجه البخاري في "صحيحه" ومسلم في "صحيحه")
لا تبذير ولا إسراف
نهى الإسلام عن الإسراف والتبذير عموما، وأمر بالطهارة والنظافة. وأكد النبي (عليه الصلاة والسلام) ذلك في أحاديث كثيرة فنهى عن الإسراف في الماء في كل الأحوال حتى لو كان الشخص يتوضأ للصلاة من نهر جار، كما نهى عن تلويث الماء أو التبول فيه خصوصا الماء الراكد. فالماء أساس الحياة وطهارته أساس للنظافة والحماية من الأمراض. قال الله عز وجل:
”وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ“ (الآية 30 سورة الأنبياء)
”وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا“ (الآية 48 سورة الفرقان)
”وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ“ (الآية 31 سورة الأعراف)
”إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا“ (الآية 27 سورة الإسراء)
التأثير الإيجابي في البيئة
إن مفهوم العبادة في الإسلام لا ينحصر في الصلاة والتعبد الروحي فحسب بل أنه يشمل العمل وإعمار الأرض والتعامل الإيجابي مع المخلوقات والكائنات حسب منهج الله وشرعه. شجع محمد المسلمين على التفاعل الإيجابي مع محيطهم وبيئتهم فكل مبادرة إيجابية هي “صدقة” فإزالة الأذى من الطرقات هى صدقة وزراعة الأرض وإعمارها أيضا صدقة.
”“ إن الاهتمام بنظافة البيئة وزراعتها والمحافظة على مواردها له تأثير إيجابي كبير يستفيد منه الناس والدواب والطير. والله يكافئ كل من يحسن إعمار الأرض ويحافظ على مواردها. وقد أشار محمد إلى مفهوم “الاستمرار” في التفاعل الإيجابي وتواصله بشكل دائم وجعل رضوان الله ومكافأته حافزا لاستمرار عمل الخير والتفاعل الإيجابي بين الفرد وبيئته وبينه وبين الناس. وروي في الحديث الصحيح أن النبي (عليه الصلاة والسلام) قال:
إن قامت الساعة وبِيَدِ أَحدكم فَسِيلَة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها، فليفعل”. (أخرجه أحمد في "مسنده" ) .
”وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ“ . (الآية 77 سورة القصص) .
الرفق بالحيوانات والتعامل الحضاري معها
الحيوانات والزواحف والطيور أمم من أمثالنا
تعُرّف الأُمة بأنها مجموعة من الأفراد تتوافق فيما بينها باللغة والعادات والتقاليد ولديها قواسم سلوكية مشتركة. وقد كشف العلم الحديث عن التنظيم الخارق والقوانين المعقدة في فصائل كثير من المخلوقات كالنمل والنحل وغيرها. وقد وصف الله عز وجل كل صنف من أصناف المخلوقات بأنه “أمة” مثلنا، لها قوانينها ولغتها التي فطرها الله عليها.
مفهوم اللحم الحلال في الإسلام
حرم الإسلام قتل الحيوانات إلا ما سمح الله به. فبإذنٍ من الله وباسم الله يمكن ذبح ما أحله الله ليأكله الناس مثل الأغنام والأبقار والجمال، وكذلك الدجاج والطيور والحيوانات التي لا تأكل اللحوم. ولذلك نرى أن المسلمين لا يذبحون من الحيوانات إلا آكلة العشب باستثناء الخنازير. فمثلا يمكن أكل الحمام ولا يمكن أكل الصقور ويمكن أكل الغنم ولا يمكن أكل القطط.
مفاهيم حضارية في الذبح الحلال
والذبح الحلال في الإسلام لا يتم إلا بمفهوم «التذكية » والذي يتطلب ذكر اسم الله على الحيوان المباح أكله وأن يكون بشفرة أو سكين أو آلة حادة تقطع الودجين (العرقين المحيطين بالحلقوم) وتقطع الحلقوم والمريء بشكل سريع يريح الدابة ولا يعذبها ويساعد على خروج الدم.
ومن آداب الذبح الحلال أن لا يُذبح حيوان إلى جانب حيوان آخر أو على مرآى منه، وقال محمد في موقف إنساني عميق الدلالة، لرجل كان يستعد لذبح شاة إلى جانب أخرى، «أتريد أن تميتها موتات؟ «(أي أن تقتلها أكثر من مرة وهي ترى شقيقتها تذبح أمامها؟) وقال محمد إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحِدَّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته. »
(أخرجه الحاكم في "مستدركه" )
أما الأسماك فأكلها حلال في الإسلام بالاصطياد لا بالذبح وقال محمد عن البحر وما فيه
«هو الطهور ماؤه الحل ميتته »
(أخرجه الحاكم في "مستدركه" )
تعاليم الرسول (عليه الصلاة والسلام) للرفق بالحيوان
خلق الله الدواب وسخر كثيرا منها لخدمتنا كالخيل والإبل والبقر والغنم. وقد نهى محمد عن إيذاء الدواب وحبسها أو تقييدها دون سبب. كما نهى عن ضرب الحيوان على وجهه أو إجهاده أو إتعابه أو تحميله ما لا يطيق أو تعذيبه أو قطع جزء من جسمه وهو حي أو قتله دون حق (كما كان يحدث في الجاهلية). رأى محمد (عليه الصلاة والسلام) جَمَلاً مُحَمَلاً بأحمال ثقيلة جدا وهو يئن بها فأراد محمد (عليه الصلاة والسلام) أن يعلم صاحبه درسا في حسن التعامل مع الحيوان والرأفة به، فقال له:
”إن بعيرك يشتكي لي من أنك تحمله ما لا يطيق.
(أخرجه أبو داود في "سننه" وأحمد في "مسنده")
محمد (عليه الصلاة والسلام) يعطي دروسا عملية في الرأفة بالحيوان
روى عبدالله بن مسعود أنه كان وعدد من الصحابة مع رسول الله في سفر. وعندما مروا بشجرة أخذ أحدهم فرخين اثنين لطير يشبه الحمامة اسمها “الحمرة” فاصبحت تصيح (كأنها تطلب ولديها) فأمر محمد من فجع الطير بفرخيها أن يردهما إليها.
(أخرجه أبو داود في "سننه")
الإحسان للحيوان سلوك حضاري فيه أجر من الله
قال محمد (عليه الصلاة والسلام): «بينما رجل يمشي في طريق، اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث من العطش، فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه (حذاءه) ماءً فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له.
(رواه البخاري ومسلم)
وذكر النبي (عليه الصلاة والسلام) قصة امرأة دخلت النار لأنها حبست قطة حتى ماتت فلا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض.