محمد يضع أُسساً حضارية للتعامل مع الآخرين:
عاش محمد مع أصحابه ثلاثة وعشرين عاما بعد البعثة، عزز خلالها القيم والأخلاق النبيلة، ووضع أسسا حضارية للتعامل مع الآخرين (المسلمين وغير المسلمين) من خلال تطبيق عملي يشهده الناس ويتفاعلون معه.
قال أنس بن مالك:
«خدمتُ رسول الله عشر سنين، فما قال لي أُفّ قَطُّ، وما قال لشيءصنعتُه: لمَ صنعته ؟ ولا لشيء تركته: لِمَ تركته؟ وكان رسول الله من أحسنِ الناس خُلُقا.. » إلى آخر الحديث »
(رواه الترمذي)
الواقعية والحكمة في التعامل مع الناس :
وكان النبي يتمتع بنظرة واقعية وحكمة عظيمة تجعل منه قائدا فذا تحبه الناس وترضى بحكمه. ويذكر أن محمدا أمر المسلمين في غزوة بني قريظة قائلا
«لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة »(أخرجه البخاري في "صحيحه" ومسلم في "صحيحه")
فمنهم من وصل قبل المغرب إلى بني قريظة وصلى العصر هناك ومنهم من تأخر فصلى العصر في مكانه مخافة ضياع الصلاة ودخول وقت المغرب وقد حسم الرسول الجدل في هذا الأمر وأقر الفريقين على فعلهم دون أن يميز رأي أحدهم عن الآخر.
وفي موقعة ذات السلاسل وكان الجو باردا جدا، تعرض القائد عمرو بن العاص للانتقاد من كبار الصحابة لأنه استيقظ محتلما فلم يغتسل ولم يتوضأ بل اكتفى بالتيمم وصلى الفجر إماما بالناس لأنه قائدهم ولم يقدم أحدا من كبار الصحابة ليؤم المسلمين. فعندما عاد إلى المدينة شكاه الصحابة للرسول فاستفسر منه الرسول واستمع لما تقدم به ابن العاص من عذر بأن الليلة كانت باردة وأنه خشي أن يمرض، وأن يعجز عن قيادة المسلمين في القتال مستشهدا بقول الله تعالى ” وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا“ فضحك محمد من قوله واجتهاده ولم يلمه أو يخطئه في تصرفه.
(أخرجه الحاكم في "مستدركه" وأبو داود في "سننه" وأحمد في"مسنده" )
محمد يشجع على المشورة ويطبقها مع أصحابه :
مع أن محمدا كان نبيا يتلقى الوحي من السماء، كان يستشير أصحابه وحتى أزواجه في كثير من أمور الدنيا. وكان يوصي أصحابه باتباع طريق الحق وعدم التعصب وكان يعزز مواقفهم لكي يتخذوا القرار المناسب.
ومثال ذلك عندما خطط زعماء مكة وعدد من قبائل العرب لمهاجمة المدينة المنورة، اقترح سلمان الفارسي، حفر خندق على طول الحدود الشمالية للمدينة بين «الحرتين » أي المنطقتين البركانيتين المحيطتين بالمدينة. وعلى الرغم من أن الفكرة كانت غريبة ولم يسبق لها أن طبقت في الجزيرة العربية، فإن محمدا تقبلها بجدية وناقشها مع صحابته فاستحسنوها وحفروا خندقا طوله 5.5 كيلومترات وعرضه 4.6 أمتار وكان سببا رئيسياً من أسباب درء خطر الأعداء.
وفي معركة بدر، عسكر المسلمون في مكان رآه أحد الجنود أنه غير مناسب، فتقدم هذا الجندي من الرسول وهو قائد الجيش سائلاً إياه إن كان اختيار هذا المكان اجتهادا من محمد أم أنه وحي وإلهام من الله؟ فأجابه محمد بكل تواضع أن اختيار هذا المكان هو اجتهاد شخصي منه. فتقدم هذا الجندي باقتراح للانتقال لمكان يراه أفضل وعرض ما لديه من اسباب ومبررات. وبعد مشاورات عدة رحب محمد بالاقتراح وكذلك معظم المسلمين وانتقلوا إلى موقع آخر.