الخاتمة
الخاتمة
سجل التاريخ تفاصيل دقيقة عن حياة محمد بالإضافة إلى تعامله السامي والإنساني مع الناس.
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
قصة سراقة الكناني: نبوءة تتحقق بعد 20 عاما
في عام 622 م هاجر محمد بأمر من الله من مكة إلى المدينة المنورة مع صاحبه أبي بكر، وأعلن زعماء قريش عن جائزة قدرها 100 رأس من الإبل لمن يأتي ب محمد (عليه الصلاة والسلام) حيا أو ميتا. وهذا ما حدا بأحد فرسان العرب وهو سراقة بن مالك إلى أن يتقصى محمدا وصاحبه.
عرف عن سراقة أنه كان فارسا بصيرا باقتفاء الأثر، صبورا على أهوال الطرق، فاقتفى أثر محمد (عليه الصلاة والسلام) وصاحبه. وبعد بحث دقيق، عثر سراقة على محمد وأبي بكر ، لكنه عندما أبصرهما وتقدم إليهما، دعا محمد ربه أن يصرف شره عنه، وبمشيئة الله تعثر حصانه في التراب ووقع على الأرض. والغريب أنه لما قام وتقدم بحصانه مرة أخرى غاصت قدما الفرس في التراب وتكرر وقوعه من على الفرس أكثر من مرة.
وطلب محمد (عليه الصلاة والسلام) من سراقة أن يعود لمكة وألا يدع أحدا يتبعه، وذكر له بكل ثقة وإيمان بالله أن دين الله سينتشر ويعم الأرض كلها، وأنه سوف يلبس يوما ما أساور كسرى إمبراطور الفرس دلالة على قوة المسلمين وانتصارهم على الفرس في المستقبل، وأن ذلك سيكون له خير من جائزة قريش. (وتذكر بعض الروايات أن الرسول كتب له كتابا بذلك).
قال محمد(عليه الصلاة والسلام): «كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى؟ »
(أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" )
شعر سراقة أن محمدا (عليه الصلاة والسلام) كان صادقا فتراجع عن موقفه ووافق على طلب النبي وأكمل محمد وأبوبكر رحلتهما حتى وصلا إلى المدينة المنورة. ومرت السنون وتوفي محمد (عليه الصلاة والسلام) وتوفي بعده بسنتين أبو بكر وأصبح عمر بن الخطاب خليفة المسلمين وتوسعت رقعة الدولة الإسلامية في عهده حتى فتح المسلمون بلاد فارس عام 642 م.
وسقطت كنوز كسرى بن هرمز إمبراطور فارس بأيدي الخليفة عمر بن الخطاب فتذكرقصة سراقة الذي أصبح رجلا مسناً فدعاه عمر إلى المسجد. وبعد أداء الصلاة، قام عمرأمام المسلمين وذكرهم بوعد الرسول (عليه الصلاة والسلام) لسراقة فألبسه قميص كسرى ووضع على رأسه تاجه وألبسه سواريه. حقا لقد كان موقفا مؤثرا جدا بكى فيه سراقة وبكى المصلون من حوله عندما رأوا نبوءة محمد تتحقق بعد 10 سنوات من وفاته (وعشرين عاما منذ حادثة سراقة).
قصة مفتاح الكعبة ... عهدٌ إلى يومنا هذا
في سنة 630 م انتصر محمد (عليه الصلاة والسلام) على زعماء قريش ودخل مكة بسلام ودون حرب. لم يعد محمد (عليه الصلاة والسلام) إلى موطنه مكة ليقضي بقية حياته فيه، بل عاد لتطهير الكعبة من الأوثان ولتكون بيتا لعبادة الله الواحد الأحد يقصده الناس من كل مكان، وبذلك يعيد إليها الهدف الذي من أجله بناها إبراهيم بأمر من الله.
أزال محمد (عليه الصلاة والسلام) كل الأصنام من حول الكعبة، وطلب من صاحبه بلال أن يصعد على ظهرها وينادي «الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله .»
أراد محمد (عليه الصلاة والسلام) الحصول على مفتاح الكعبة فاستدعى عثمان بن طلحة الشيباني الذي كان السادن أو القيم على الكعبة بحكم الوراثة منذ ما قبل الإسلام . وقبل إسلامه كان قد منع محمدا (عليه الصلاة والسلام) من الصلاة في الكعبة لكنه أسلم قبل الفتح.
ويذكر هنا أنه عندما تولى قصي الجد الخامس ل محمد (عليه الصلاة والسلام) أمر مكة، اختص ابنه الأكبر بشرف سدانة الكعبة، ومن ثم توارثها أبناؤه إلى أن آلت السدانة إلى عثمان بن طلحة.
لم يكن أمام عثمان بن طلحة إلا أن يقدم مفتاح الكعبة إلى محمد (عليه الصلاة والسلام) ليفقد بذلك شرف السدانة، وكان آلاف المسلمين يتطلعون لمعرفة من سيفوز بشرف السدانة من بعده. قطع محمد (عليه الصلاة والسلام) لحظات من الصمت والترقب وفتح باب الكعبة ودخلها ليطهرها من الأصنام، ثم خرج فقال لعثمان بن طلحة:
«اليوم يومُ بِرّ ووفاء، خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم ».
(أخرجه الطبراني في "الكبير)
برٌ و وفاء استمرا حتى اليوم
لا يزال مفتاح الكعبة تتناقله ذرية بني شيبة منذ أكثر من 1400 سنة وحتى يومنا هذا، يتعهدون سدانة الكعبة وخدمتها بأمانة الله، جيلا بعد جيل، ودون أن يجرؤ أحد على منازعتهم فيها حتى لا يكون ظالما، مثلما قال محمد (عليه الصلاة والسلام).
وفي عصرنا هذا تقوم السلطات السعودية بغسل الكعبة في كل عام وتستدعي رجلا من بني شيبة ليفتح باب الكعبة ليتم غسلها بماء زمزم وماء الورد وغيره من العطور، وتضمخ جدرانها من الداخل بدهن العود.
أي بر ووفاء هذا؟ وأي احترام لكلمات قائد تلتزم بها الأجيال بعد وفاته وكأنه يعيش بينهم؟
.
.
.